إعجاز بلاغی آیه هفدهم سوره بقره

إعجاز بلاغی آیه هفدهم   سوره بقره

مَثَلُهُمْ کَمَثَلِ الَّذِی اسْتَوْقَدَ ناراً فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَ تَرَکَهُمْ فِی ظُلُماتٍ لا یُبْصِرُونَ (17)

البلاغة

 

1) التشبیه التمثیلی: فی قوله تعالى مَثَلُهُمْ کَمَثَلِ الَّذِی اسْتَوْقَدَ ناراً حیث أشبهت حالهم حال مستوقد انطفأت ناره.
2) مراعاة النظیر: و هو فن یعرف عند علماء البلاغة بالتناسب و الائتلاف. و حدّه أن یجمع المتکلم بین أمر و ما یناسبه مع إلغاء ذکر التضادّ لتخرج المطابقة و هی هنا فی ذکر الضوء و النور، و السرّ فی ذکر النور مع أن السیاق یقتضی أن یقول بضوئهم مقابل أضاءت هو أن الضوء فی دلالة على الزیادة فلو قال: بضوئهم لأوهم الذهاب بالزیادة و بقاء ما یسمى نورا و الغرض هو إزالة النور عنهم رأسا و طمسه أصلا.
الفوائد
یمضی سیاق القرآن فی ضرب الأمثال لتصویر شأن المنافقین لیکشف عن طبیعتهم و تقلباتهم و لیزید صفتهم جلاء و وضوحا لقد استوقدوا النار فلما أضاءت نورها لم ینتفعوا بها، و لذلک عاقبهم اللّه فذهب بنورهم و ترکهم فی ظلمات لا یبصرون.
و أسلوب التمثیل و أحد الأسالیب القرآنیة الذی تجلت فیه بلاغة القرآن بأحسن صورها و أکثرها تأثیرا فی النفوس و استقرارا فی العقول و القلوب.
و کما نجد هذه الخاصة فی القرآن الکریم نجدها فی الحدیث الشریف فهی من أشرف الوسائل فی تقریر الحقائق و تجلیة الصفات.
أولا: فی الآیة تشبیه تمثیلی لأن وجه الشبه و الصفة المشترکة بین المشبه و المشبه به فتنزعه من صفات أو أشیاء متعددة.
ثانیا: إن أسلوب التشبیه هو من الخصائص البلاغیة فی القرآن الکریم نقدم بعض الأمثلة و لعل الجزء یغنی فی إیضاح المقصود عن الکل کقوله تعالى:
 «رَأَیْتَهُمْ یَنْظُرُونَ إِلَیْکَ تَدُورُ أَعْیُنُهُمْ کَالَّذِی یُغْشى‏ عَلَیْهِ مِنَ الْمَوْتِ» و قوله: «مَثَلُ الَّذِینَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ یَحْمِلُوها کَمَثَلِ الْحِمارِ یَحْمِلُ أَسْفاراً و قوله أیضا «مَثَلًا کَلِمَةً طَیِّبَةً کَشَجَرَةٍ طَیِّبَةٍ أَصْلُها ثابِتٌ وَ فَرْعُها فِی السَّماءِ. و قوله تعالى: «وَ تِلْکَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ وَ ما یَعْقِلُها إِلَّا الْعالِمُونَ».
ثالثا: فی الآیات التفات من المفرد الى الجمع فی قوله: «فَلَمَّا أَضاءَتْ ما حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ».
رابعا: عبر سبحانه و تعالى عن عمى البصیرة بعمى الأبصار و هو ضرب من أضرب المجاز اللغوی. یفسره قوله تعالى: فَإِنَّها لا تَعْمَى الْأَبْصارُ وَ لکِنْ تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِی فِی الصُّدُورِ. هذا قلیل من کثیر و لو تتبعنا ما فی هذه الآیة من خصائص و فوائد لقادنا ذلک إلى کتابة سفر من الأسفار. فسبحان من هذا کلامه و هذا بیانه ..
یقول صاحب الکشاف: و لأمر ما أکثر اللّه فی کتابه المبین و فی سائر کتبه من أمثاله، و فشت فی کلام رسول اللّه صلّى اللّه علیه و سلّم و کلام الأنبیاء و الحکماء، و من سور الإنجیل «سورة الأمثال».
و للعرب أمثال کثیرة جرت مجرى الحکم و حیل بین لفظها و التغییر یشبهون مضربها بموردها و قد ألّف فیها المجلدات.